فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} إلَى قَوْلِهِ: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} لَمَّا تَرَكَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّكِيرَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ إظْهَارِ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي مَجْرَى الشَّكْوَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَعْيِينَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ مُرَادَهُ الصَّاعُ الَّذِي اكْتَالَ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ بَائِعِهِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي هُوَ مَا اكْتَالَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ.
قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ صَاعُ الْبَائِعِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي اكْتَالَ، وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّاعَ الَّذِي كَالَ الْبَائِعُ بِهِ بَائِعَهُ وَصَاعَ الْمُشْتَرِي الَّذِي كَالَهُ لَهُ بَائِعُهُ، فَلَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى الِاكْتِيَالِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ الْكَيْلِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةَ وِزَانِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَلَيْهِ تَعْيِينَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِوَزْنِهِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْوِزَانِ.
وَأَمَّا أُجْرَةُ النَّاقِدِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِمَاعَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ إلَيْهِ صَحِيحًا، إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ فَأُجْرَةُ النَّاقِدِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ وَمَلَكَهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ شَيْئًا مِنْهُ مَعِيبٌ يَجِبُ رَدُّهُ.
قَوْله تَعَالَى: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّمَا سَأَلُوا التَّفَضُّلَ بِالنُّقْصَانِ فِي السِّعْرِ وَلَمْ يَسْأَلُوا الصَّدَقَةَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: سَأَلُوا الصَّدَقَةَ وَهُمْ أَنْبِيَاءٌ وَكَانَتْ حَلَالًا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَرِهَ مُجَاهِدٌ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيَّ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا هِيَ مِمَّنْ يَبْتَغِي الثَّوَابَ. قَوْله تَعَالَى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّهُمْ كَانُوا جَاهِلِينَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا جَاهِلِينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُمْ تَوْبَةٌ لَكَانُوا جَاهِلِينَ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ جَهَالَةَ الصِّبَا لَا جَهَالَةَ الْمَعَاصِي.
وَقَوْلُ يُوسُفَ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ ذَنْبًا مِنْهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ وَظَاهِرُ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَابُوا بِقَوْلِهِمْ: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} وَلَا يَقُولُ مِثْلُهُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا فِي حَالِ الصِّغَرِ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} إنَّمَا جَازَ لَهُمْ مَسْأَلَةُ الِاسْتِغْفَارِ مَعَ حُصُولِ التَّوْبَةِ لِأَجْلِ الْمَظْلِمَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِعَفْوِ الْمَظْلُومِ وَسُؤَالِ رَبِّهِ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ بِمَا عَامَلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ بِدُعَائِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِنَايَةٍ.
قَوْله تَعَالَى: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالتَّيْمِيّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَعَمْرِو بْنِ قَيْسٍ: أَنَّهُ أَخَّرَ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ إلَى السَّحَرِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إجَابَةِ الدُّعَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ.
وَقِيلَ: إنَّمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ دَائِمًا فِي دُعَائِهِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} يُقَالُ: إنَّ التَّحِيَّةَ لِلْمُلُوكِ كَانَتْ السُّجُودَ وَقِيلَ: إنَّهُمْ سَجَدُوا لِلَّهِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاجْتِمَاعِ مَعَ يُوسُفَ عَلَى الْحَالِ السَّارَّةِ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ التَّعْظِيمَ لِيُوسُفَ، فَأَضَافَ السُّجُودَ إلَى يُوسُفَ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ: صَلَّى لِلْقِبْلَةِ وصَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ.
وَقَوْلُ يُوسُفَ: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} يَعْنِي سُجُودَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ فَكَانَ السُّجُودُ فِي الرُّؤْيَا هُوَ السُّجُودُ فِي الْيَقَظَةِ، وَكَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهُ وَيُقَالُ فِي قَوْلِهِ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} إنَّ أُمَّهُ كَانَتْ مَاتَتْ وَتَزَوَّجَ خَالَتَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ السُّدِّيِّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ أُمُّهُ بَاقِيَةً «وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: كَانَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ الرُّؤْيَا وَبَيْنَ تَأْوِيلِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً»، وَعَنْ الْحَسَنِ: كَانَتْ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ صَادِقَةً فَهَلَّا تَسَلَّى يَعْقُوبُ بِعِلْمِهِ بِوُقُوعِ تَأْوِيلِ رُؤْيَا يُوسُفَ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّهُ رَآهَا وَهُوَ صَبِيٌّ، وَقِيلَ لِأَنَّ طُولَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحَبِيبِ يُوجِبُ الْحُزْنَ كَمَا يُوجِبُهُ مَعَ الثِّقَةِ بِالِالْتِقَاءِ فِي الْآخِرَةِ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}
أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: دخل يعقوب عليه السلام مصر في ملك يوسف عليه السلام، وهو ابن مائة وثمانين سنة، وعاش في ملكه ثلاثين سنة. ومات يوسف عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة. قال أبو هريرة رضي الله عنه وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {آوى إليه أبويه} قال: أبوه وأمه ضمهما.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه في قوله: {ورفع أبويه على العرش} قال: أبوه وخالته، وكانت توفيت أم يوسف في نفاس أخيه بنيامين.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان بن عيينة: {ورفع أبويه} قال: كانت الخالة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي اله عنهما- في قوله: {ورفع أبويه على العرش} قال: السرير.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ورفع أبويه على العرش} قال: السرير.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ورفع أبويه على العرش} قال: مجلسه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه في قوله: {وخروا له سجدًا} قال: كان تحية من كان قبلكم السجود، بها يحيي بعضهم بعضًا، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة، كرامة من الله عجلها لهم ونعمة منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وخروا له سجدًا} قال: ذلك السجود تشرفة، كما سجدت الملائكة عليهم السلام تشرفة لآدم عليه السلام، وليس بسجود عبادة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وخروا له سجدًا} قال: بلغنا أن أبويه واخوته سجدوا ليوسف عليه السلام إيماء برؤوسهم، كهيئة الأعاجم، وكانت تلك تحيتهم كما يصنع ذلك ناس اليوم.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك وسفيان- رضي الله عنهما- قالا: كانت تلك تحيتهم.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كان بين رؤيا يوسف عليه السلام وبين تأويلها، أربعون سنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: كان بين رؤيا يوسف عليه السلام وتأويلها.
أربعون سنة. وإليه ينتهي أقصى الرؤيا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: بينهما خمسة وثلاثون عامًا.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن الحسن رضي الله عنه قال: كان بين الرؤيا والتأويل ثمانون سنة.
وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه قال: كان بين فراق يوسف بن يعقوب إلى أن التقيا، ثمانون سنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه قال: كان بينهما سبع وسبعون سنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن عبد الحكم في فتوح مصر، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه، عن الحسن رضي الله عنه أن يوسف عليه السلام ألقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، ولقي أباه بعد ثمانين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثًا وعشرين سنة، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وأخرج ابن مردويه عن زياد يرفعه قال: لبث يوسف عليه السلام في العبودية، بضعة وعشرين سنة.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد، عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان بين فراق يوسف يعقوب عليهما السلام إلى أن لقيه، سبعون سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن علي بن أبي طلحة رضي الله عنه في قوله: {وجاء بكم من البدو} قال: كان يعقوب وبنوه بأرض كنعان، أهل مواش وبرية.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وجاء بكم من البدو} قال: كانوا أهل بادية وماشية، وبلغنا أن بينهم يومئذ ثمانين فرسخًا، وقد كان فارقه قبل ذلك ببضع وسبعين سنة.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن ربي لطيف لما يشاء} قال: لطف بيوسف وصنع له حين أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع من قلبه نزغ الشيطان، وتحريشه على اخوته.
وأخرج أبو الشيخ عن ثابت البناني رضي الله عنه قال: لما قدم يعقوب على يوسف عليه السلام، تلقاه يوسف عليه السلام على العجل، ولبس حلية الملوك، وتلقاه فرعون إكرامًا ليوسف، فقال يوسف لأبيه: إن فرعون قد أكرمنا، فقل له فقال يعقوب: لقد بوركت يا فرعون.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال: لما التقى يوسف ويعقوب، عانق كل واحد منهما صاحبه وبكى. فقال يوسف: يا أبت، بكيت علي حتى ذهب بصرك، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى يا بني، ولكن خشيت أن يسلب دينك فيحال بيني وبينك.
وأخرج أبو الشيخ عن ثابت البناني رضي الله عنه قال: لما حضر يعقوب عليه السلام الموت قال: ليوسف عليه السلام. إني أسألك خصلتين وأعطيك خصلتين: أسألك أن تعفو عن اخوتك ولا تعاقبهم بما صنعوا بك، وأسألك إذا أنا متّ أن تحملني فتدفنني مع آبائي إبراهيم واسحق وأعطيك أن تغمضني عند الموت، وأن ادخل ابنين لك في الأسباط، فلما وضع يوسف عليه السلام يده على وجه أبيه ليغمضه، فتح عينيه ثم قال: يا بني، إن هذا من الأبناء للآباء عند الله عظيم.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر بن عياش- رضي الله عنهما- قال: لما مات يعقوب النبي عليه السلام، أقيم عليه النوائح أربعة أشهر.
وأخرج أحمد في الزهد عن مالك بن دينار رضي الله عنه أن يعقوب عليه السلام، قال لما ثقل لابنه يوسف عليه السلام: أدخل يدك تحت صلبي، فاحلف لي برب يعقوب لتدفنني مع آبائي، فإني قد اشركتهم في العمل، فاشركني معهم في قبورهم. فلما توفي يعقوب عليه السلام، فعل ذلك يوسف حتى أتى به أرض كنعان فدفنه معهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}
وقوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ}: من باب التغليب، يريد أباه وأمَّه أو خالتَه. و{سُجَّدًا} حال. قال أبو البقاء: حالٌ مقدرة؛ لأنَّ السجود يكون بعد الخُرور وفيه نظرٌ لأنه متصلٌ به غيرُ متراخٍ عنه. قوله: {مِن قَبْلُ} يجوز أنْ يتعلق ب: {رُؤْياي}، أي: تأويل رُؤْياي في ذلك الوقت. ويجوز أنْ يكونَ العاملُ فيه: {تَأْويل} لأنَّ التأويلَ كان مِنْ حينِ وقوعِها هكذا، والآن ظهرَ له، ويجوز أن يكونَ حالًا مِنْ: {رُؤْياي} قاله أبو البقاء، وقد تقدم أنَّ المقطوعَ عن الإِضافةِ لا يقع حالًا.
قوله: {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي} حالٌ من: {رؤياي} ويجوز أن تكون مستأنفة. وفي: {حقًا} وجوه أحدُها: أنه حال. والثاني: أنه مفعولٌ ثان. والثالث: أنه مصدرٌ مؤكد للفعل من حيث المعنى، أي: حَقَّقها ربي حَقًّا بجَعْلِه.
قوله: {أَحْسَنَ بي} {أَحْسَنَ} أصله أن يتعدَّى بإلى. قال: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} [القصص: 77] فقيل: ضُمِّن معنى لَطُف فتعدى بالباء كقوله: {وبالوالدين إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وقولِ كثيِّر عَزَّة:
أَسِيْئِي بنا أو أَحْسِني لا مَلُوْمَةً ** لَدَيْنَا ولا مَقْلِيَّةً إنْ تَقَلَّتِ

وقيل: بل يتعدى بها أيضًا. وقيل: هي بمعنى إلى. وقيل: المفعولُ محذوفٌ: أَحْسَنَ صُنْعَه بي، ف: {بي} يتعلَّق بذلك المحذوفِ، وهو تقدير أبي البقاء. وفيه نظر؛ من حيث حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معموله، وهو ممنوعٌ عند البصريين. و: {إذ} منصوبٌ ب: {أَحْسَنَ} أو المصدرِ المحذوف قاله أبو البقاء، وفيه النظر المتقدم.
والبَدْوُ: ضد الحضارة وهو مِن الظهور، بدا يبدو: إذا سكن البادية، إذا بَدَوْنا جَفَوْنا يروى عن عمر، أي: تخلَّقْنا بأخلاقِ البدويين. قوله: {لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} لَطُفَ أصلُه أن يتعدَّى بالباء، وإنما تعدى باللام لتضمُّنِه معنى مُدَبِّر، أي: أنت مُدَبِّر بلطفك لِما تَشاء. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)}
اشتركوا في الدخول ولكن تباينوا في الإيواء فانفرد الأَبَوَان به لِبُعْدِهما عن الجفاء، كذلك غدًا، إذا وصلوا إلى الغفران يشتركون في وجود الجنان، ولكنهم يتباينون في بساط القربة فيختص به أهل الصفاء دون من اتصف اليوم بالاستواء. قوله جلّ ذكره: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يا أبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}.
أوقف كُلًا بمحلِّة؛ فَرَفَعَ أبويه على السرير، وتَرَك الإخوةَ نازلين بأماكنهم. قوله: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا}: كان ذلك سجودَ تحيةٍ، فكذلك كانت عادتهم. ودَخَلَ الأَبَوان في السجود- في حقِّ الظاهر- لأنَّ قوله: {وَخَرُّوا} إخبارٌ عن الجميع، ولأنه كان عن رؤياه قد قال: {إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] وقال ها هنا: {هَذَا تَأْوِيلُ رُءيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًا}.
قوله جلّ ذكره: {أَحْسَنَ ِبِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجِنْ وَجَاءَ بكُم مِّن البَدوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْن إِخْوَتِى إِنَّ رَبِىّ لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ}.
شهد حسانه فَشَكَرَه.. كذلك مَنْ شهد النعمة شَكَرَ، ومَنْ شهد المُنْعِمَ حمده. وذَكَرَ حديثَ السجن- دون البئر- لطول مدة السجن وقلة مدة البئر. وقيل لأن فيه تذكيرًا بِجُرْمِ الإخوة وكانوا يخجلون. وقيل لأن: {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ} وقيل لأن كان في البئر مرفوقًا به والمبتدئ يُرفَقُ به وفي السجن فَقَدَ ذلك الرِّفق لقوة حاله؛ فالضعيف مرفوقٌ به والقويُّ مُشَدَّدٌ عليه في الحال، وفي معناه أنشدوا:
وأسررتني حتى إذا ماسَبَبْتَني ** بقولٍ يحل العُصْم سهل الأباطح

تجافيتَ عنِّي حين لا لي حيلة ** وغادرت ما غادرت بين الجوانح

وفي قوله: {وَجَاءَ بِكُم مِّنَ البَدْوِ} إشارة إلى أنه كما سُرَّ برؤية أبويه سُرَّ بإخوته- وإنْ كانوا أهل الجفاء، لأنَّ الأُخُوَّةَ سَبَقتْ الجفوة.
قوله: {مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىْ} أظهر لهم أمرهم بما يشبه العذر، فقال كان الذي جرى منهم من نزعات الشيطان، ثم لم يرض بهذا حتى قال: {بينى وبني إخوتى} يعني إن وَجَدَ الشيطان سبيلًا إليهم، فقد وجد أيضًا إليَّ حيث قال: {بَيْنِى وَبَيْنَ إْخْوَتِى}.
ثم نطق عن عين التوحيد فقال: {إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} فبلطفه عصمهم حتى لم يقتلوني. اهـ.